حنان الأم وحليبها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الخصائص التي تجتمع في حليب الأم :
أيها الأخوة الأكارم, إتماماً لبحث حليب الأم, الذي جعله الله عزَّ وجل هبةً، ومنحةً لهذا الطفل الصغير .
وهب الله سبحانه وتعالى الصغار رحمةً أودعها في قلوب أمهاتهم، وفضلاً عن رحمة الأمهات بأبنائهن، التي هي في الحقيقة رحمة الله بهم، جعل المرأة يسيل ثدياها حليباً من نوعٍ خاص .
فلبن المرأة، كما يقول العلماء: مبهرٌ ومدهش، تعجز عن تركيبه, وخصائصه قوى البشر ولو اجتمعت، وتعجز عن صنعه أضخم المعامل ولو تظاهرت .
تركيبه: تركيبه في تبدلٍ مستمر بحسب حاجات الرضيع ومتطلباته، وبحسب احتمال أجهزته وأعضائه، وهو أكثر ملائمة، وأكثر تركيزاً، وأكثر احتمالاً، وأقلُّ ضرراً، وهو أأمن طرق التغذية، من حيث الطهارة والتعقيم إذ يؤخذ من الحُلمة مباشرةً من دون التعرض للتلوث الجرثومي، وحرارته ثابتةٌ خلال الرضعة الواحدة، ويصعب توافر هذا الشرط في الإرضاع الصناعي، وفوق ذلك فهو لطيف الحرارة في الصيف، دافئ في الشتاء، وهو سهل الهضم، لا تتجاوز فترة هضمه عن الساعة والنصف، بينما تزيد فترة هضم حليب القوارير عن ثلاث ساعات، والطفل الذي يرضع من ثدي أمه، يكتسب مناعةً ضد كلَّ الأمراض، لأنَّ في حليب الأم مواد مضادة للالتهابات المعوية والتنفسية .
وفي حليب الأم، مواد تمنع التصاق الجراثيم بجدار الأمعاء، وفي حليب الأم مواد حامضية لقتل الجراثيم، والإرضاع الطبيعي يقي من أمراض الكوليرا، والزحار، ومن أمراض شلل الأطفال، والكزاز، لأن مناعة الأم كلها في حليبها، وهو يقي المرضع من أورام الثدي الخبيثة، هذه الظاهرة المنتشرة في معظم أنحاء العالم، سرطان الثدي، وإرضاع الطفل من ثدي أمه، يقي الأم من أورام الثدي الخبيثة، ويقي الرضيع من الآفات القلبية، والوعائية، وأمراض التغذية، والاستقلاب، بل إن الفطام السريع، يحدث رضاً نفسياً، وانحرافاتٍ سلوكية .
وحليب الأم، سهل التحضير ليلاً ونهاراً، في السفر وفي الحضر، لأنه جاهزٌ دائماً بالحرارة المطلوبة، وبالتعقيم المثالي، والسهولة في الهضم، ولأن فيه المناعة التي تقي معظم الأمراض، قال الله تعالى:
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً * أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ * أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾
هدية من الله, قال تعالى:
﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾
قال عكرمة وابن المسيِّب: النجدان هما الثديان, قال تعالى:
﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾
﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾
ما جوابك عن هذا السؤال ؟
أيها الأخوة, ما الذي يمنع الإنسان من أن يطيع الله عزَّ وجل؟ ما الذي يمنعه من أن يكون مؤمناً؟ لذلك قال بعض العارفين:
يا رب تداركتنا بلطف في ظلمة الحشا
... وخير كفيلٍ في الحشا قد كفلتنا
وأسكنت قلب الأمهات تعطفاً علينا ..
....... وفي الثديين أجريت قوتنا
... وخير كفيلٍ في الحشا قد كفلتنا
وأسكنت قلب الأمهات تعطفاً علينا ..
....... وفي الثديين أجريت قوتنا
هذا موضوع الخطبة كلها، أسكن في قلب الأمهات رحمةً، وأجرى في صدورهن حليباً، رحمةً معنويةً، وغذاءً طبيعياً, تترجم بالإقرار أنك ربنا، وعرفتنا إياك، فالحمد دائماً لوجهك, إذ ألهمتنا منك رشدنا .
والحمد لله رب العالمين
من خطب الجمعة لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire